تسريب نجلاء فتحي وموقف الزعيم عادل إمام

لا أدري ماذا (أو من) وراء التسريب الصوتي للفنانة نجلاء فتحي الذي انتشر مؤخراً على منصات السوشيال ميديا؟ في هذا التسريب، تهاجم الفنانة نجلاء الفنان عادل إمام وتتهمه بأن أعماله تشجع على الفساد وأنه قضى 40 عاماً يقنع جماهيره بما تمليه عليه الدولة. ويبدو من الوهلة الأولى أن التسجيل قديم، وأغلب الظن أنه يعود إلى عام 2011 بعد ثورة الشعب المصري على الرئيس الأسبق حسني مبارك خاصة في ظل الهجوم الذي تعرض له الفنان عادل إمام وقتها نظراً لموقفه الرافض للثورة وعلاقته الشخصية بحسني مبارك ونجليه جمال وعلاء.

أيا كانت الملابسات التي أدلت فيها نجلاء بتلك التصريحات فإن ما يهمنا حقا هو مناقشة اتهاماتها لنجم بحجم وجماهيرية عادل إمام. والحقيقة أن رأي نجلاء في فن عادل إمام لا يمثلها وحدها بشكل شخصي لأن هناك قطاعاً كبيراً من المثقفين المصريين يشاركونها نفس الرأي منذ سنوات طويلة. والمتتبع لمسيرة عادل إمام يكتشف بسهولة أن أعماله الأولى لم تكن تثير جدلاً كبيراً لأنها كانت بمصطلح السوق أفلاماً تجارية تخلو من قضايا كبرى أو من أي طرح سياسي يتصادم مع النظام الحاكم في مصر، لكن الجدل احتدم بالفعل حول عادل وأعماله تزامناً مع محطتين مهمتين في مسيرته، الأولى موقفه من الجماعات الإسلامية المتطرفة وسفره إلى أسيوط معقل هذه الجماعات في التسعينيات من القرن الماضي ليتحداهم ويعرض مسرحياته هناك،. أما المحطة الثانية فهي خماسية الأفلام التي قدمها عادل بعد ذلك متعاوناً مع الكاتب الراحل وحيد حامد والمخرج شريف عرفة والتي تضمنت أفلام: طيور الظلام، اللعب مع الكبار، المنسي، الإرهاب والكباب، النوم في العسل. مع هذه المجموعة من الأفلام التي وجهت انتقادات لاذعة لنظام مبارك في ذلك الوقت، ثار الجدل حول علاقة عادل إمام بالسلطة، وهل يقدم بالفعل نقداً حقيقياً لها أم أن علاقاته الشخصية برموز النظام منحته مساحة من الحرية لم يحظ بها فنان آخر بشكل يبدو كما لو كانت معارضة عادل إمام تتم بناء على صفقة مع الدولة. وحقيقة الأمر أننا لا يجب أن نحاكم الفنان على نواياه، وإنما كل ما يخصنا هو مضمون أعماله والرسالة التي تطرحها.

والمتأمل لتلك الأفلام بالتحديد سوف يجد بسهولة أن عادل في طيور الظلام كان يرى أن الجماعات المتطرفة والحزب الحاكم في ذلك الوقت وجهان لعملة واحدة، أما في اللعب مع الكبار فهو يدخل في مواجهة صريحة مع طبقة رجال الأعمال المدعومين من السلطة، وكذلك في باقي الأفلام التي أشرنا إليها، فكل منها يضع يده على عيب من عيوب النظام ويعريه أمام المشاهد. كل ذلك يجعلنا نتمهل قليلاً قبل التعاطف مع تصريحات نجلاء فتحي عن علاقة عادل إمام بالسلطة لنؤكد -وهذا هو الأكثر إنصافاً- أن محاكمة فنان بهذا الحجم يجب أن تستند إلى أعماله وما تطرحه من رسائل وليس إلى علاقاته ومواقفه الشخصية ووجهات نظره السياسية. عادل إمام شئنا أم أبينا فنان كبير قامة وقيمة، ولم يكن -من وجهة نظري- ألعوبة في يد الدولة، وعلى سبيل المثال لا يمكن أن نقيم موقفه من الإرهاب والتيارات الدينية المتطرفة بأنه ترويج لوجهة نظر الدولة، لأن كل الفنانين والمهتمين بالفن كان لهم نفس الموقف تقريباً لعلمهم بما تكنه تلك التيارات من عداء للفن بكل أنواعه. لا نقول بالطبع أن مسيرة عادل إمام تخلو من الأخطاء أو الأعمال قليلة القيمة، ولا يوجد فنان بلا أخطاء أو كبوات، لكن العبرة في مجمل مسيرته، وهو كفنان كبير قدم عدداً كبيراً من الأعمال الناجحة التي عبر فيها عن هموم المصريين والمهمشين منهم على وجه الخصوص.

حتى أعماله الخفيفة التي استهدفت الكوميديا فقط لا يصح أن نسقطها من مسيرته لأن الفن في الأصل يستهدف تقديم المتعة، والإضحاك نوع من المتعة لا يقلل من قيمة الفنان، بل على العكس فهناك فنانون بنوا خلودهم في ذاكرة الناس على الكوميديا والإضحاك فقط. عادل إمام فنان كبير، وليس مطلوباً من الفنان أن يكون مناضلاً سياساً أو زعيماً للمعارضة لكي يحبه الناس.