About Author

الكاتب من مواليد محافظة أسوان- مدينة إدفـــــو بجمهورية مصر العربية حاصل على ليسانس الآداب قسم التاريخ والدراسات الأفريقية ثم دبلوم عام الدراسات العليا فى التربية يليه دبلوم خاص الدراسات العــليا في التربية ثم الماجستير فى تاريخ التربية ثم الدكتوراة المهنية فى ذات المجال فضلا عن الدكتوراة الفخرية من جامعة ديليفورد الأمريكية الدولية الخاصة فى التاريخ والأدب برقم 3843 ثم الشهادة العُليا السامية من الإتحاد الدولى للكُتّاب العرب برقم 20230105011 بتاريخ5-1-2023، فائز بشخصية العام الثقافية لعام 2022م-1444هـ من مؤسسة النيل والفرات للطبع والنشر والتوزيع بالقاهرة. عمل موجها مركزيا للتاريخ بالمرحلة الثانوية بأسوان، ثم رئيس قسم الدراسات الإجتماعية والتاريخ بإدارة إدفـو التعليمية ثم بالمعاش ومن ثم مؤلف وكاتب : رئيس قسم الأدب العالمى بمجلة النيل والفرات الورقية الأليكترونية بمصـــــــــــر ( تطوعا) ومؤلف سبعة وعشرون كتابا فى التاريخ والتراث الإسلامى منهما كتابا في التاريخ الفرعونى باللغة الإنجليزية وكاتب مقالات على مدونته " الشروق الإدفــوى" وما يستجد غيض من فيض.

أحدث المقالات
مارس ٢٦, ٢٠٢٣, ١:٥٧ ص - Hala H E
مارس ٢٥, ٢٠٢٣, ٨:٥٠ م - HICHAM818
مارس ٢٥, ٢٠٢٣, ٢:٣٦ م - Thanaa
مارس ٢٥, ٢٠٢٣, ١٢:٥٨ م - د. محمد فتحى محمد فوزى

ذكريات داعبت خيالى

النخيل والترعة وسقاية الماء ذكريات الترعة والانخيل

كنا زمان وأحنا صغيرين وفى شهر الصيف القائظ، نخرج من البيت؛ لنقف على أبواب الشارع نتلهف نسمة هواء تأتينا من هنا أو هناك، فى حالة حِيرة واضطراب، والعرق ينزف من أبداننا، نترقب  أى شىء بارد؛ لنقف فى مواجهته ؛ حتى يخف قيظنا، وذلك قبل اختراع المكيفات سواء الصحراوية أو "الفريونية"، هذا فى أقاصى الصعيد، لدرجة أن من بداخل البيت يأتى بقطع من القماش المبلل بالماء الفاتر مـــن "الزير الفخارية"؛ فالمبردات الكهربية لم تظهر بعد ويلتف بها لتطرية جسده من  حرارة الطقس "الموهوجه"، وأثناء الوقوف أمام البيت فى الشارع أتلقف نسمات الهواء الساخنة وما يسمونها بـ "السموم".

البخــــــاخـــــــــــة:

ألمح من بعيد عربة الرش مُرسلها المجلس البلدى تأتى ، يجرها بغـل كبير ذو لون بنى أشبه بالفرس يقولون أنه هجين من الحمارة والحصان، وحوذيها غارق فى عرقه تحت أشعة الشمس الحارقة، رافعا ثيابه لأعلى خصره ملفوفا حوله ، ولا يظهر سوى سرواله متدليا منه حبل طويل يعمل على إحكام السروال حوله، وبالعربة فنطاز كبير ممتلىء بالمياه، يخرج من خلفه مستطيل أسطوانى حديدى به ثقوب ترش الماء على الأرض ؛ لتبريد الشارع ، وتلطيف المكان من لهيب الشمس الساخنة، وترقيد التراب ومنع غباره، ومن ثم أشاهد الأطفال يركضون خلف تلك العربة ؛  مُشمِّرين جلابيبهم وملابسهم حتى رُكبهم؛ مستقبلين مرش المياه من " البخاخة" هكذا  يُسمونها فى صعيدنا.

لتطفىء وهج الطقس وحرارته عليهم، وهم فرحين بذلك "مُهيصيين"، رغم نهر الحوذى لهم وصياحه عليهم بالابتعاد عن العربة ذات العجلتين الكبيرتين، والبغل يصهل، ولمَّا يتباطأ فى السير يضربه حوذيه بكرباج ملفوف معه مناديا عليه:"حا يابن الــ!!!"؛ فكليهما مُجهَد من القيلولة ورمضاء التراب، ومن ثم تواصل العربة سيرها، وينأى الصبيان  عنها لمفارقتها حَيِّهم، وما تكاد تصل لحى آخر، يستلمها صبيان أُخر، أحيانا متعـرين من ملابسهم ولباساتهم ، يستحمون بمياهها فى الشارع ، وتارة يرتشفون منه القليل... هكذا كانت ذكريات الصيف مع " البخاخة" إلى مغيب الشمس فتنكسر حِدة الحر.

الشَعــلِـيــب:

من جهة أخرى أُسائل نفسى ماذا لو لم تكن هنالك ثلاجة؛ لحفظ الطعام، تحميه من التلوث والهوام؛ فمن المؤكد سيدخل المرض من جـــــرَّاء هــــذا، وتنتشــــر "الجراثيم" بين أهل البيت؛ فيُحمل أحدهم إلى غرفة الإنعاش لإفاقته، إثر إصابته من طعام مكشوف؛ فكان أيام الزمن الجميل" الشعليب"، وهذا الأخير عبارة عن :ثلاث قِطع طولية، رأسية، مجدولة من خوص النخيل، تبلغ من الطول نصف متر تقريبا، مفتوحة من كل الجوانب، تلتقى بأسفلها لقاعدة خوصية، وبأعلاها غِطاء من الخوص أيضا، يتم تعليقه فى وسط سقف البيت متدليا لأسفل ويوضع على قاعدته الطعام؛ لُيحفَظ، ووصلا؛ لإبعاده عـــــن متناول أيدى الصبيان العابــــسة؛ فيظـــل ذاك الشعليب مُتدليا، ومُعلقا من وسط سقف الصالة، مُتأرجِحا يُمنة ويسرة، حسب ولوج الهواء فى صالة المنزل.

تشبيها بوجود النجفة حالياً، إلا أنَّ هذا لحفظ المأكولات، وتلك للإضاءة المُزينة للبيت؛ فيصير البيت صحيا ولا ثلاجة ولا مثلوج، هكذا كانت الحماية الصحية للناس زمان فى صعيدنا البار، تراث لا يُنسى ونظافة لا تُكرر.

فكان الناس يعيشون على البساطة، وقلما إصابتهم "بالفيروسات"؛ لكونها حياة البركة والمبروكين، حياة وادعة لا شية فيها ولا ضرر؛ فكلما تطورنا نترحم على الماضى ونتغنى بقولنا " هل من عودة للزمان"، بينما إذا عُدنا إليه مع تذوقنا لما نحن فيه حاضرا؛ لصرنا نتقلب ذات الجنبين مرة مع هذا وتارة مع ذاك، سبحان الله!

 قراءات وتأمُلات فوق النخيل والأغصان:

فى بيتنا الكبير، نخيل متعددة بفناء البيت، نُسميه " الجنينة" أى الحديقة أو الكَرْمْ ــ أجلس فى ظلالها إما قارئا أو متأملا؛ لاهتزازها المتراقص عندما يداعبها نسيم " الطياب"، وحين تقبل الظهيرة بقيظها وقظيظها ، انهض متسلقا إحدى النخلات القصيرات نوعا، شاعرا بأنى لمَّا أجلس بين جريدها الأخضر يخف القيظ؛ فأتوسط بعض خوصها الرطِب؛ مستلقيا بصحبتى كتاب أطالعه وأنا فوق النخلة، بين شقشقة العصافير وطيرانها هنا وهناك، ويستلفت نظرى أثناء القراءة "أبو السكتو" هكذا نطلق عليه فى صعيدنا عندما نتغنى باسمه أطفالا صادحين:" أبو السكتو طلَّق مرته، قال لـ حليمة حمى الميه، قال لـ سكينة سوى سخينه.

"ألا وهــــو الهدهد بريشه الزاهى، وعرعرته الملونة كأنها تاج على رأسه المُبلج، ووقوقة هدهدته المُسترخية، ومنقاره الطويل كاشف الأسرار؛ فأسرح لأيام سيدنا سليمان عليه وعلى رسولنا الكريم الصلاة والسلام، بقوله تبارك وتعالى :"فقال أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين" [1]، ثم أفيق من تأملاتى وسرحانى؛ لأستكمل قراءتى في كتابى متأهبا للنزول من أعلى بعد التقامى لبعض التمرات؛ وكانت حدة الحر قد خفت.

ناهيك من بستاننا الواسع، فيه نخيل متعددة، منها مايطاول عنان السماء ومنها ما يقصُر، وبه بئر ببكرته المُدلاة؛ لرى ذلك الكرْم، وتنفرد منهم شجرة ضخمة مورقة مترامية الأطراف، بها شمَّام لونه أصفر له رائحة جميلة، يفوح شذاه متضوعا بأرجاء " الجنينة"، ونحن جلوس، نستظل بتلك الشجرة من قيظ الطقس، وأجيل نظرى متأملا فى المكان، وعندما يشتد الحر: أصعد للشجرة بصحبتى كتاب، متوسدا إحدى الأغصان، مسترخيا وسط روائح الشمام الماتعة، وهديل القمارى، وتغريد الكنارى، وشقشقة العصافير، ويستوقفنى من  قراءتى غراب  يدف بجناحيه؛ فاستلهم قوله تعالى:" فبعث الله غرابا يبحث فى الأرض ليريه " لآخر الآية [2] فتذكرت أننا نتعلم من الطيور وكلٌ له قيمته التى تعنيه.

 المراجع:

  • سورة النمل 22 [1]
  • المائدة 31 [2]
التعليقات

يجب تسجيل الدخول لإضافة تعليق

مقالات ذات صلة